أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن عمه أبي سهيل بن مالك قال : كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فاستشارني في القدرية فقلت : أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ، وإلا عرضتهم على السيف ، فقال : أما إن هذا رأي ، قال مالك : وذلك رأي .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن جعفر - والد علي بن المديني - قال : حدثني أبو سهيل نافع بن مالك قال : سايرت عمر بن عبد العزيز ،
فاستشارني في القدرية، فقلت : أرى أن تستتيبهم ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم ، فقال : عمر : أما إن تلك سيرة الحق فيهم .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى قال : حدثنا أبو ضمرة أنيس بن عياض قال : حدثني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر أنه قال : قال لي عمر بن عبد العزيز ، من فيه إلى أذني : ما تقول في الذين يقولون : لا قدر؟ قلت : أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم ، فقال عمر : ذلك الرأي فيهم ، والله لو لم يكن إلا هذه الآية الواحدة لكفت : فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الحمصي قال : حدثنا محمد بن خمير ، عن محمد بن مهاجر ، عن أخيه عمرو بن مهاجر ، قال : بلغ عمر بن عبد العزيز : أن غيلان بن مسلم يقول في القدر. فبعث إليه فحجبه أياماً . ثم أدخله عليه .
فقال : غيلان ، ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال عمرو بن مهاجر : فأشرت إليه أن لا يقول شيئاً ، قال . فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، إن الله عز وجل قال هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه !فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً قال : اقرأ آخر السورة : وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما * يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ثم قال : ما تقول يا غيلان ؟ قال : أقول : قد كنت أعمى فبصرتني ، وأصم فأسمعتنى ، وضالاً فهديتنى ، فقال عمر : اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً، وإلا فاصلبه . فأمسك عن الكلام في القدر، فولاه عمر بن عبد العزيز دار الضرب بدمشق ، فلما مات عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وأفضت الخلافة إلى هشام تكلم في القدر، فبعث إليه هشام فقطع يده . فمر به رجل والذباب على يده ، فقال له : يا غيلان : هذا قضاء وقدر، فقال : كذبت ، لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدر، فبعث إليه هشام فصلبه .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن معاذ قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عمرو الليثي أن الزهري حدثه قال : دعا عمر بن عبد العزيز غيلان فقال : يا غيلان ، بلغني أنك تتكلم قي القدر، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنهم يكذبون علي ؟ فقال : يا غيلان ، اقرأ أول (يس ) فقرأ : يس * والقرآن الحكيم - حتى أتى على قوله إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ، فقال غيلان : يا أمير المؤمنين ، والله لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم ، أشهدك يا أمير المؤمنين أني تائب مما كنت أقول ، فقال عمر : اللهم إن كان صادقاً فثبته ، وإن كان كاذباً فاجعله آية للمؤمنين .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن خالد الأزرق قال : حدثنا أبو مسهر قال : حدثني عون بن حكيم قال : حدثني الوليد بن سليمان - مولى ابن أبي السائب - أن رجاء بن حيوة كتب إلى هشام بن عبد albino : بلغني يا أمير المؤمنين أنه وقع في نفسك شيء من قبل غيلان و صالح ، فو الله لقتلهما أفضل من ألفين من الروم والترك ، قال هشام : صالح مولى ثقيف .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن أبي سعيد قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري - حمصي - عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : كنت عند عبادة بن نسي ، فأتاه رجل فأخبره : أن أمير المؤمنين هشاماً ، قطع يد غيلان ولسانه وصلبه ، فقال له : حقا ما تقول ؟ قال : نعم ، قال : أصاب والله السنة والقضية ، ولأكتبن إلى أمير المؤمنين ، فلأحسنن له ما صنع .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثني إسحاق بن سيار النصيبي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية - يعني ابن صالح - عن حكيم بن عمير قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : إن قوماً ينكرون القدر شيئاً ، فقال عمر : بينوا لهم ، وارفقوا بهم ، حتى يرجعوا ، فقال قائل : هيهات هيهات ، يا أمير المؤمنين ، لقد اتخذوه ديناً يدعون إليه الناس ، ففزع لها عمر ، فقال : أولئك أهل أن تسل ألسنتهم من أقفيتهم سلا ، هل طار ذباب بين السماء والأرض إلا بمقدار؟
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن مصفى قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثني أرطأة بن المنذر قال : حدثني حكيم بن عمير قال : قيل لعمر بن عبد العزيز - فذكر الحديث نحوا منه - .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله عز وجل أن لا يعصى ، ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئه .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عمر بن ذر قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : لو أراد الله عز وجل أن لا يعصى ما خلق إبليس ، وقد فسر ذلك في آية من كتاب الله عز وجل ، عقلها من عقلها ، وجهلها من جهلها : ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله عز وجل أن لا يعصى ما خلق إبليس ، وهو رأس الخطيئة ، وإن في ذلك لعلماً في كتاب الله عز وجل ، جهله من جهله ، وعرفه من عرفه ، ثم قرأ : فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم .
وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثنا عبد الله بن أبي الوليد قال : خرج عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة ، فخطب كما كان يخطب ، ثم قال : أيها الناس ، من عمل منكم خيراً فليحمد الله تعالى ، ومن أساء فليستغفر الله ، ثم إن عاد فليستغفر الله ، فإنه لابد لأقوام أن يعملوا أعمالاً وضعها الله في رقابهم وكتبها عليهم .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال : حدثنا الوليد قال : سمعت ابن جريج يقول : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن العلاء قال : حدثنا ابن إدريس ، عن عمر بن ذر قال : قدمنا على عمر بن عبد العزيز خمسة : موسى بن أبي كثير ، و دثار النهدي ، و يزيد الفقير ، و الصلب بن بهرام ، و عمر بن ذر : فقال : إن كان أمركم واحداً فليتكلم متكلمكم ، فتكلم موسى بن أبي كثير ، وكان أخوف ما يتخوف عليه أن يكون عرض بشيء من أمر القدر قال : فعرض له عمر ، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ، ثم قال : لو أراد الله عز وجل أن لا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة ، وإن في ذلك لعلماً من كتاب الله عز وجل ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ثم تلا هذه الاية : فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم ، ثم : لو أراد الله عز وجل حمل خلقه من حقه على قدر عظمته لم يطق ذلك أرض ولا سماء ، ولا ماء ولا جبل ، ولكنه رضي من عباده بالتخفيف .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا علي بن ثابت ، عن عمر بن ذر قال : جلسنا إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، فتكلم منا متكلم ، فعظم الله عز وجل وذكر بآياته ، فلما فرغ تكلم عمر بن عبد العزيز ، فحمد الله وأثنى عليه ، وشهد شهادة الحق ، وقال للمتكلم : إن الله عز وجل كما ذكرت وعظمت ، ولكن الله عز وجل لو أراد أن لا يعصى ما خلق إبليس وقد بين ذلك في آية من القرآن ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها ، ثم قرأ : فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم ، قال : ومعنا رجل يرى رأي القدرية ، فنفعه الله عز وجل بقول عمر بن عبد العزيز ، ورجع عما كان يقول ، فكان أشد الناس بعد ذلك على القدرية .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو كامل الجحدري قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا التيمي قال : سئل عمر بن عبد العزيز عن القدر ؟ فقال : ما جرى ذباب بين اثنين إلا بقدر ، ثم قال للسائل : لا تعودن تسألني عن مثل هذا .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الهيثم بن عمران قال : سمعت عمرو بن مهاجر قال : أقبل غيلان - وهو مولى لآل عثمان - وصالح بن سويد إلى عمر بن عبد العزيز فبلغه أنهما ينطقان بالقدرية ، فدعاهما ، فقال : أعلم الله نافذ في عباده أم منتقض ؟ قالا : بل نافذ يا أمير المؤمنين ، قال : ففيم الكلام ؟ فخرجنا ، فلما كان عند مرضه بلغه أنهما قد أشرف ، فأرسل إليهما وهو مغضب ، فقال : ألم يك في سابق علمه حين أمر إبليس بالسجود : أنه لا يسجد ؟ قال عمرو : فأومات إليهما برأسي : قولا نعم ، فقالا : نعم ، فأمر بإخراجهما وبالكتاب إلى الأجناد بخلاف ما قالا ، فمات عمر رضي الله عنه قبل أن ينفذ تلك الكتب .
قال محمد بن الحسين رحمه الله : كان غيلان مصراً على الكفر بقوله في القدر ، فإذا حضر عند عمر نافق ، وأنكر أن يقول بالقدر، فدعا عليه عمر بأن يجعله الله عز وجل آية للمؤمنين ، إن كان كذاباً ، فأجاب الله عز وجل فيه دعوة عمر ، فتكلم غيلان في وقت هشام ، هو و صالح مولى ثقيف ، فقتلهما وصلبهما ، وقبل ذلك قطع يد غيلان ولسانه ، ثم قتله وصلبه ، فاستحسن العلماء في وقته ما فعل بهما .
وهكذا ينبغي لأئمة المسلمين وأمرائهم - إذا صح عندهم أن إنساناً يتكلم بالقدر بخلاف ما عليه من تقدم - أن يعاقبوه بمثل هذه العقوبة ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم .
حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا سفيان الثوري قال : حدثني شيخ - قال مؤمل : زعموا أنه أبو رجاء الخراساني - أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز : إن قبلنا قوماً يقولون : لا قدر ، واكتب إلي برأيك فيهم ، واكتب إلي بالحكم فيهم ، فكتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عدي بن أرطأة .
أما بعد : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد : فإني أوصيكم بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون مما قد جرت سنته ، وكفوا مؤنته ، فعليكم بلزوم السنة ، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل ، والحمق والتعمق ، فارض لنفسك بما يرضى به القوم لأنفسهم ، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصر نافذ كفوا ، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى بفضل لو كان فيه أجر ، فلئن قلتم : أمر حدث بعدهم ، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ، ورغب بنفسه عنهم ، إنهم لهم السابقون ، فقد تكلموأ فيه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم مقصر ، وما فوقهم محسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم .
كنت تسألني عن القدر ؟ على الخبير بإذن الله سقطت .
ما أحدث المسلمون محدثة ، ولا ابتدعوا بدعة هي أبين أمراً ، ولا أثبت من أمر القدر ، ولقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء ، يتكلمون به في كلامهم ، ويقولون به في أشعارهم ، يعزون به أنفسهم عن مصائبهم ، ثم جاء الإسلام فلم يزده إلا شدة وقوة ، ثم ذكره رسول الله في غير حديث ولا حديثين ولا ثلاثة ، فسمعه المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلموا فيه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته ، يقيناً وتصديقاً وتسليماً لربهم وتضعيفاً لأنفسهم : أن يكون شيء من الأشياء لم يحط به علمه ، ولم يحصه كتابه ، ولم ينفذ فيه قدره .
فلئن قلتم : قد قال الله عز وجل ، في كتابه كذا وكذا ، ولم أنزل الله عز وجل آية كذا وكذا ؟
لقد قرؤوا منه ما قد قرأتم ، وعلموا من تأويله ما جهلتم ، ثم قالوا بعد ذلك : كله كتاب وقدر ، وكتب الشقوة ، وما يقدر يكن ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا ، والسلام عليك .
كتبت إلي تسألني الحكم فيهم ، فمن أوتيت به منهم فأوجعه ضرباً ، وأستودعه الحبس ، فإن تاب من رأيه السوء ، وإلا فاضرب عنقه .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو المنذر عنبسة بن يحيى المروزي ، بالشاش - سنة ثمان وعشرين ومائتين - قال : حدثنا أبو داود الحفري عن أبي رجاء قال : كتب عامل لعمر بن عبد العزيز إليه يسأله عن القدر ؟ فكتب إليه :
أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل ، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والاجتهاد في أمره ، وترك ما أحدث المحدثون بعده - وذكر الحديث نحواً من الحديث الذي قبله - .
قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذه حجتنا على القدرية : كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسنة أصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وقول أئمة المسلمين ، مع تركنا للجدل والمراء والبحث عن القدر، فإنا قد نهينا عنه ، وأمرنا بترك مجالسة القدرية ، وأن لا نناظرهم ، وأن لا نفاتحهم على سبيل الجدل بل يهجرون ويهانون ويذلون ، ولا يصلى خلف واحد منهم ، ولا تقبل شهادته ، ولا يزوج ، وإن مرض لم يعد ، وإن مات لم تحضر جنازته ، ولم تجب دعوته في وليمة إن كانت له ، فإن جاء مسترشداً أرشد على سبيل النصيحة له ، فإن رجع فالحمد لله ، وإن عاد إلى باب الجدل والمراء لم يلتفت إليه ، وطرد وحذر منه ، ولم يكلم ، ولم يسلم عليه .
اخوكم محبوب الملايين/ وليد الأمين